النقض : سرقة الأشياء المتروكة تخرج عن دائرة التجريم والتأثيم
النقض : سرقة الأشياء المتروكة تخرج عن دائرة التجريم والتأثيم
النقض: سرقة الأشياء المتروكة تخرج عن دائرة التجريم والتأثيم
مش كل السرقة حرام.. موظف استولى على مخلفات الشركة وتم حبسه بتهمة السرقة.. ما الحل؟ المشرع فرق بين المال المتروك والمملوك.. الأول مباح والثاني مُجرم.. والنقض: سرقة الأشياء المتروكة تخرج عن دائرة التجريم والتأثيم
“كنت اعمل في إحدى الشركات العامة، ونتيجة للظروف المادية التي كنت أمر بها كنت اضطر للمرور بقطعة أرض فضاء ملحقة بالشركة حيث كانت الشركة تلقى فيها المخلفات والخردة الخاصة بها وكنت أقوم بأخذ هذه المخلفات وأقوم ببيعها حيث كنت اتحصل بسببها على أموال كبيرة”.. بهذه الكلمات سرد “على. أ”، 33 سنة، مأساته في محاولة لإيجاد حلول قانونية لأزمته.
“وفى ذات الأيام وقع خلاف بيني وبين رئيسي في العمل والذي كان على علم بأني أقوم بأخذ المخلفات من الأرض الفضاء واستفيد منها ببيعها، وقام بإحالتي للتحقيق بتهمة السرقة على الرغم من أنى كنت أحصل على هذه المخلفات بحسن نية على أساس أن الشركة لا تستفيد منها وأنها مخلفات، ثم تطور الأمر بإحالتي للنيابة العامة التي أحالتني للمحاكمة الجنائية، وقضت محكمة أول درجة بحبسي عامين ثم استأنفت الحكم وقضى بتخفيف الحكم بالحبس سنة، ثم قمت بالطعن على الحكم لإلغائه أمام محكمة النقض.. ما هو الحل في تلك القضية والسيناريوهات المطروحة؟”.
أركان جريمة السرقة وتعريفها
وللإجابة على تلك الإشكالية يجب قبل الخوض في تلك الإشكالية لابد من الحديث عن جريمة السرقة حيث تعتبر من أشهر وأقدم الجرائم الواقعة على الأموال، وتعريفها من الناحية اللغوية هي – أخذ المال خفية – أما من الناحية القانونية هي – اختلاس مال منقول مملوك للغير بنية تملكه – ومن تعريف الفقه للسرقة يتضح أنه يجب أن ينصب فعل الاختلاس أو الأخذ على مال وأن يكون هذا المال منقولا وأن يكون مملوكا للغير، فإذا توافرت الشروط السابقة في محل السرقة، وقام الجاني بأخذ هذا المال والاستيلاء عليه بدون رضاء صاحبه وهو ما يشكل قوام الركن المادي لهذه الجريمة، وكان الجاني عالما حينها أنه يأخذ مالا ً منقولا ً مملوكا لغيره بدون رضاء صاحبه، واتجهت إرادته المعتبرة قانونا إلى تحقيق النتيجة المرجوة من تمام الركن المادي وهو ما يعرف بالركن المعنوي للجريمة، فإننا نكون أمام جريمة سرقة، وأضاف فقهاء القانون ركنا خاصا بالإضافة إلى الأركان الثلاثة السابقة وهو “نية التملك”.
يشترط في موضوع السرقة أن يكون مملوكا للغير، فالسرقة اعتداء على الملكية ولا يتصور هذا الاعتداء إلا إذا نال الفعل مالاً مملوكا للغير، ذلك أنه إذا وقع الفعل على مال يملكه المتهم فهو استعمال لحقه عليه وتكون السرقة في هذه الحالة مباحة، بمعنى أدق إذا تم الاستيلاء على مال غير مملوك لأحد، فلا تقوم السرقة، لأن مثل هذا الفعل لا يتضمن فكرة الاعتداء على ملكية الغير، ويكون المال غير مملوك لأحد إذا كان مباحا إما بحسب أصله وإما بالترك أو التخلي عنه.
أولاً: المال والأشياء المباحة:
والأشياء المباحة هي أشياء غير مملوكة لأحد، ولم تكن في وقت ما مملوكة والاستيلاء عليها سبب لاكتساب ملكيتها، ومن ثم لا محل لقيام السرقة به، ومن أهم الأمثلة على الأشياء المباحة الثروات الطبيعية في الكون، فمن استولى على شيء منها فهو ليس بسارق، بل يعد باستيلائه عليه مالكا له، فمن انتزعه منه كان سارقا له، فالمياه في البحر أو النهر والأسماك والطيور والحيوانات البرية أشياء مباحة، ومن ثم لا يعتبر سارقا من اصطاد سمكا من البحر، بل يعتبر مالكا له، ومن يعتدي على ما اكتسبه من ملكية وحيازة كان سارقا .
متى يكون الاستيلاء على ملكية الدولة مباحا ومتى يكون جريمة؟
ويلاحظ أن إعطاء الدولة حق الامتياز لأحد الأشخاص بالصيد في بقعة معينة من الغابة أو في منطقة معينة من البحر أو النهر لا يعطي لصاحب حق الامتياز تملك الحيوانات أو الأسماك الموجودة في مكان الامتياز إلا إذا كان قد اصطادها فعلا وأصبحت في حيازته، فإذا زاحمه واصطاد فيها شخص آخر، فإنه يتملك ما يخرجه منها ولا يعتبر سارقا وإن كان فعله هذا يعد إعتداءا على حق الامتياز، ويجب آلا يثور الخلط بين الأموال المباحة وبين الأموال المملوكة للدولة، فبينما الاستيلاء على الأموال المباحة يعتبر طريقا لاكتساب الملكية، فإن الاستيلاء على أموال الدولة يعتبر سرقة.
وتطبيقا لذلك يعد سارقا من يختلس زهورا من حديقة عامة أو يقتلع أشجار من طريق عام أو يأخذ أحجار من المحاجر، ويقصد بالأموال المملوكة للدولة والتي يعتبر الاستيلاء عليها سرقة “تلك الأموال المملوكة لها ملكية مدنية، أما الجبال والصحاري والتي لم تضع الدولة يدها عليها فهي وإن كانت مملوكة للدولة إلا أن هذه الملكية تعتبر من قبيل الملكية السياسية العليا التي تكون للدولة على كل إقليمها، وتطبيقا لذلك فإن أخذ الأحجار من الجبال من غير المناطق المخصصة للمحاجر أو أخذ الرمال من الصحراء لا يعتبر سرقة إلا في صورة ما إذا ثبت أن الحكومة وضعت يدها عليها وضعا صحيحا يخرجها من أن تكون مباحة، وتعتبر الآثار مملوكة للحكومة والاستيلاء عليها يعد سرقة أيا كان موقعها
ثانيا: المال المتروك:
تنص القواعد المدنية على أن المنقول يصبح بغير مالك إذا تخلى عنه مالكه بقصد التخلي عن ملكيته، فالشيء المتروك هو ما استغنى عنه صاحبه بالتخلي عن حيازته وبنية إنهاء ملكيته عليه، فيعتبر بعد ذلك لا مالك له، فإن استولى عليه شخص آخر لا يعتبر سارقا، ومثال الأشياء المتروكة الملابس التي تخلى عنها أصحابها والأمتعة البالية التي يرميها أصحابها في الطريق العام، فمن عثر على شيء في الطريق من قبيل المهملات وأخذه فلا يعد سارقا، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الشيء المتروك بأنه: “هو الذي يستغني عنه صاحبه بإسقاط حيازته وبنية إنهاء ما كان عليه من ملكية فيغدو بذلك لا مالك له”.
والعبرة بذلك بواقع الأمر من جانب المتخلي عن المال وليس بما يدور في خلد الجاني والتحري عن هذه الحقيقة يدخل في سلطة قاضي الموضوع الذي يبحث في الظروف التي يتبين منها أن الشيء متروك أم لا، والمصدر القانوني للصيرورة الشيء متروكا هو “التخلي” وقوامه عنصران: عنصر مادي، وهو إخراج الشيء من الحيازة وعنصر معنوي، هو نية النزول عن حق الملكية الثابت على الشيء ولا يحول دون اعتبار الشيء متروكا أن تكون قيمته كبيرة، طالما أن نية التخلي عن الملكية ثابتة، ولا يحول كذلك دون اعتبار الشيء متروكا أن ترخص السلطات العامة لشخص بالاستيلاء على الأشياء المتروكة في مكان معين، ذلك أنه لا يتملكها إلا إذا استولى عليها بالفعل، وتطبيقا لذلك إذا رخصت سلطات مدنية لشخص بجمع القمامة من شوارعها ولكن شخصا آخر استولى على أشياء منها قبل جمعها، فلا يرتكب سرقة.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 22316 لسنة 65 القضائية، حيث أرست قاعدة قانونية تقول أن: “سرقة الأشياء المتروكة تخرج عن دائرة التجريم”، حيث اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه:
أولاً: أخبر السلطات بمعلومات كاذبة مع سوء القصد بأن أبلغ كذباً عن سرقة سيارة.
ثانياً: شرع في سرقة المنقولات المملوكة لشركة “…..” وأوقف أثر الجريمة بسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مشاهدته أثناء ارتكابها وهروبه.
وطلبت عقابه بالمواد 45، 47، 303، 305، 317/ رابعاً من قانون العقوبات، ومحكمة أول درجة قضت غيابياً – عملاً بمواد الاتهام – بحبسه سنة عن كل تهمة مع الشغل والنفاذ، ثم استأنف المحكوم عليه ومحكمة ثانى درجة – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى حبسه ستة أشهر مع الشغل والتأييد فيما عدا ذلك، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.
المحكمة
ومما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي البلاغ الكاذب والشروع في السرقة، قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يعرض لما قام عليه دفاعه من أن المال المشروع في سرقته من المتروكات، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
النقض تؤكد: سرقة الأشياء المتروكة تخرج عن دائرة التجريم
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن الثابت من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن المدافع عن الطاعن تمسك بأن المال المشروع في سرقته من المتروكات – لما كان ذلك – وكان من المقرر أنه إذا تمسك المتهم بأن المنقولات محل دعوى الشروع في السرقة هي من المتروكات ولم يعد لها مالك بعد أن تخلت الشركة عنها ثم أدانته المحكمة بعقوبة الشروع في سرقتها، دون أن تتعرض لهذا الدفاع وترد عليه، فحكمها يكون معيباً بالقصور في البيان، ولا يقلل من هذا أن تكون لتلك المنقولات قيمة، إذ يمكن بيعها في المزاد لحساب الخزانة، فإنه لا يشترط في الشيء المتروك أن يكون معدوم القيمة بل يجوز في القانون أن يعد الشيء متروكاً، فلا يعتبر من يستولى عليه سارقاً بل يخرج عن دائرة التجريم والتأثيم، ولو كانت له قيمة تذكر، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه والإعادة في خصوص جريمة الشروع في السرقة، وكذا جريمة البلاغ الكاذب المرتبطة بها دون حاجة لبحث سائر أوجه الطعن.