جريمة استعمال القسوه | محامي جنائي
جريمة استعمال القسوه | محامي جنائي
جريمة استعمال القسوه | محامي جنائي
جريمة استعمال القسوه | محامي جنائي
الركن المفترض صفة الجاني
اشترط المشرع فى المادة 129 من قانون العقوبات أن يكون الجاني فى جريمة استعمال القسوة موظفا عاما أو مستخدما عموميا أو مكلفا بخدمة عامة. فلا تقع هذه الجريمة ممن لا يتمتعون بهذه الصفات، فإذا ارتكب السلوك الإجرامي من شخص لا تنسحب عليه صفة الموظف العام، أو المكلف بخدمة عامة شكل فعله جريمة أخرى غير المنصوص عليها فى المادة 129 عقوبات.
ولقد سبق وأن تعرضنا فى الفصل الأول من الباب الأول من الرسالة إلى تعريف المقصود بالموظف العام واستعرضنا موقف الفقه والقضاء فى هذا الصدد، ولذا فإننا نحيل إلي ما سبق تلافيا للتكرار.
وفى فرنسا عددت المادة 186 من قانون العقوبات الفرنسي طائفة الموظفين الملزمين أو المخاطبين بهذا النص وهم: الموظف العمومي والقائم بتنفيذ الأوامر والأحكام القضائية، وقادة ورجال السلطة العامة(
وكما تقع جريمة استعمال القسوة من الموظف العام تقع كذلك من المكلف بخدمة عامة، وقد عرفت محكمة النقض المكلف بخدمة عامة بقولها “المكلف بخدمة عامة هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع ولو لم يكن من طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين مادام أن هذا الشخص قد كلف بالعمل ممن يملك هذا التكليف. فيشترط إذن أن يكون هناك تكليف ممن يملكه قانونا، وهو السلطة العامة. أما إذا قام الشخص بالعمل بغير تكليف أو بتكليف صادر ممن ليس له سلطة إصداره فلا يعتبر الشخص مكلفا بخدمة عامة إلا بالقدر الذى تسمح به نظرية الموظف الفعلي
ويستوي أن يكون العمل الذى يكلف به الشخص دائما أو مؤقتا أو عارضا، كما يستوي أن يكون المكلف يتقاضى أجرا نظير قيامه بالعمل الذى كلف به أو لا يتقاضى أي مقابل، ويستوي أن يكون العمل الذى كلف به الشخص قد أسند إليه بإرادته أو كان مجبرا عليه
ومن أمثلة المكلفين بخدمة عامة المجندون والمرشدون السريون الذين تستعين بهم الشرطة للكشف عن الجرائم ومرتكبيها
وقد يجمع الشخص بين صفتي الموظف العام، والمكلف بخدمة عامة. إذا ليس هناك ما يمنع أو يحول دون أن يكون الشخص المكلف بخدمة عامة موظفا عموميا إذا ندبته الدولة لأداء خدمة خارج أعمال وظيفته، كتنصيب أحد موظفي مصلحة الوقود التابعة لوزارة الصناعة نائبا للحارس على إحدى الشركات للسهر على نشاط الحركة وإخضاعها لرقابة الدولة، إذ يعتبر بالنسبة للعمل المنتدب له مكلفا بأداء خدمة عامة
خلاصة القول يجب لقيام جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة 129 من قانون العقوبات أن يكون الجاني متمتعا بصفة خاصة؛ إذ يتعين أن يكون موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة.
فإن انتفت هذه الصفة أو تلك شكل السلوك الإجرامي للجاني جريمة أخرى غير تلك المنصوص عليها فى المادة 129 عقوبات.
* * *
المبحث الثاني
المطلب الأول
الركن المادي
يتكون الركن المادي لجريمة استعمال القسوة من سلوك إجرامي (فعل القسوة)، ونتيجة إجرامية كأثر للسلوك الإجرامي، ورابطة سببية بين السلوك والنتيجة، وسوف ندرس كل عنصر من عناصر الركن المادي فى فرع مستقل على النحو الآتي:
الفرع الأول
السلوك الإجرامي
يتحقق السلوك الإجرامي لجريمة استعمال القسوة وفقا لنص المادة 129 من قانون العقوبات بكل فعل من شأنه الإخلال بشرف المجني عليه أو إيذائه بإيلام جسمه مهما يكن هذا الألم خفيفا. وعليه فيدخل فى حكم هذه المادة البصق فى وجه شخص أو إلقاء شئ عليه يؤدي إلى مضايقته أو توسيخه أو انتزاع شئ من يده بشدة أو ربط عينيه بعصابة أو تكميم فمه أو تقييده من رجليه أو ذراعيه أو جذبه أو إيذائه إيذاء خفيفا أو ضربه أو جرحه.
ولقد تعرضت محكمة النقض المصرية لتعريف فعل القسوة فى العديد من أحكامها قائلة “إنه لما كانت المادة 129 من قانون العقوبات المصري منقولة عن المادة 106 من قانون العقوبات التركي المأخوذ من المادة 186 من قانون العقوبات الفرنسي وكانت جميع هذه القوانين قد استعملت فى التعبير عن القسوة المعاقب عليها بمقتضاها عبارةviolence contre les personnesوهذه العبارة لا تنصرف إلا إلى الأفعال المادية التى تقع على الأشخاص. لما كان ذلك وكانت الأقوال والإشارات لا تدخل فى مدلول القسوة المقصودة بالمادة 129 المذكورة، وإذا كان القانون المصري قد حذا حذو القانون التركي فى عدم الاكتفاء بالعبارة المذكورة فأضاف إليها عبارة “بحيث إنه أخل بشرفهم أو أحدث آلاما بأبدانهم” فإن هذا منه لا يعدو أن يكون بيانا لفعل القسوة فى جميع أحوال الاعتداء الذى يقع على الشخص مهما خفت جسامته. أى سواء أكان من قبيل الضرب الذى يؤلم الجسم أم كان من قبيل الإيذاء الخفيف الذى يمس الشرف وإن لم يؤلم الجسم، وإذن فإنه إذا عدت المحكمة المتهم مرتكبا لجريمة استعمال القسوة على اعتبار أن هذه الجريمة قد تقع بالألفاظ كما تقع بالأفعال، فإنها تكون مخطئة.
وقضت كذلك بأن “ركن استعمال القسوة يتحقق بكل فعل مادي من شأنه أن يحدث ألما ببدن المجني عليه مهما يكن الألم خفيفا ولو لم يترتب على الفعل حدوث إصابات ظاهرة فيشمل إذن الضرب كما يشمل الإيذاء الخفيف”
ووفقا لما قررته محكمة النقض فإن استعمال القسوة لا يتم إلا بالأفعال المادية التى تلحق بجسد المجني عليه فتصيبه فى شرفه أو تحدث آلاما ببدنه حتى لو كان هذا الألم خفيفا أو بسيطا، ولا يدخل فى حكم المادة 129 عقوبات الأقوال والتطاول على الناس والتعدي عليهم بالسب أو الشتم مهما يكن ذلك مخلا بالشرف، وإنما تنطبق فى هذه الأحوال النصوص العادية الواردة فى شأن جريمة القذف والسب
ولا تعد حالات القبض والحبس والحجز دون أمر أحد الحكام ضمن السلوك الإجرامي المعاقب عليه بالمادة 129 عقوبات حتى ولو كانت مقترنة بأفعال تعذيب مادية. فقد جرى قضاء محكمة النقض على أن نص المادة 129 من قانون العقوبات لم يعن إلا بوسائل العنف الذى لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم، فقد وردت هذه المادة ضمن جرائم الإكراه، وسوء معاملة الموظفين لأفراد الناس فى الباب السادس من الكتاب الثاني الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية، أما المادتان 280 ،282 من هذا القانون فقد وردتا ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم دون حق فى الباب الخامس من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس، وفى هذه المفارقة بين العناوين الذى اندرجت تحتها هذه المواد ما ترسم به فكرة المشرع المصرى من أنه عد الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحجز من الجرائم التى تقع إطلاقا من موظف أو غير موظف
يجب أن يكون السلوك الإجرامي المشكل لفعل القسوة واقعا على الأشخاص. فإذا وقع العنف على الأشياء فلا تقوم هذه الجريمة مادام أن فعل القسوة لم يستطل بالأذى جسد المجني عليه، فإذا قام رجل الشرطة بتكسير نظارة أحد الأشخاص أو ساعته أو زجاج سيارته اعتمادا على وظيفته فلا تقوم جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة 129 عقوبات، وإن جاز أن تقوم بسلوكه جريمة أخرى من جرائم التخريب أو الإتلاف
ولم تشهد المادة 129 من قانون العقوبات خروجا على القواعد العامة للمساهمة الجنائية، إذ يعتبر الآمر باستعمال القسوة شريكا فى هذه الجريمة بطريق التحريض، وليس فاعلا أصليا فيها. متى وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض، ويعد شريكا – أيضا – من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة أو ساعده على ارتكابها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق أو المساعدة
وجوب أن يكون الجاني قد ارتكب الجريمة اعتمادا على وظيفته
لا يكفي لقيام الجريمة المنصوص عليها فى المادة 129 من قانون العقوبات أن يكون الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة قد أتى السلوك الإجرامي دون قيد أو شرط؛ إذ يتعين أن يكون الجاني قد استعمل القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته. وقد نصت المادة 129 عقوبات على هذا الشرط صراحة بقولها: “كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته”.
وعلى ذلك فإن استعمل الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة القسوة مع أحد الأشخاص لا باعتباره موظفا أو مكلفا بخدمة عامة متمتعا بسلطان، وإنما كفرد عادي من أفراد المجتمع فلا تقوم جريمة استعمال القسوة المجرمة بالمادة 129 عقوبات، وإنما يعاقب الجاني وفقا للقواعد العامة العادية المقررة للضرب والتعدي على الناس.
جريمة استعمال القسوه | محامي جنائي
ولقد أثارت عبارة “اعتمادا على وظيفته” خلافا وجدلا حول المقصود بها. وقد كانت محكمة النقض تفسر هذه العبارة على نحو يوجب أن يكون استعمال القسوة قد وقع أثناء ممارسة الوظيفة أو بسببها
ولذلك قضت محكمة النقض فى أحد أحكامها بأنه: “يجب أن يبين الحكم الصادر بعقوبة طبقا للمادة 113 عقوبات (المقابلة لنص المادة 129 من قانون العقوبات الحالي) العمل الذى كان يؤديه الموظف وقت صدور التعدي منه لمعرفة ما إذا كان قد ارتكب الجريمة أثناء تأديته عملا خاصا بوظيفته أو كيف كان اعتماده على تلك الوظيفة
وقضت كذلك بأن: “إذا قضى حكم بالعقوبة على موظف عمومي لاستعماله القسوة مع الأفراد اعتمادا على وظيفته وجب عليه أن يبين الوظيفة التى كان المتهم يؤديها وقت استعمال القسوة وإلا كان الحكم باطلا”.
بيد أن محكمة النقض قد عدلت فيما بعد عن هذا الاتجاه واطردت على أنه لا يشترط أن يكون الموظف أو المكلف بخدمة عامة بطبيعة الحال قد ارتكب فعل القسوة أثناء تأديته عملا من أعمال وظيفته، فقد قضت محكمة النقض بأن “جريمة القسوة المشار إليها فى المادة 129 عقوبات تتم حكما متى استعمل الموظف أو المستخدم العمومي القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته بحيث يخل بشرفهم أو يحدث آلاما بأبدانهم، ولا يشترط فى ذلك أن يكون المتهم وقت ارتكابه الاعتداء قائما بأداء وظيفته أو أن يكون الاعتداء على درجة معينة من الجسامة. فإذا كان الثابت بالحكم أن المتهم وهو من رجال البوليس اعتدى على المجني عليه بالضرب اعتمادا على وظيفته فأحدث به جروحا فليس مما يستوجب نقضه أنه لم يذكر ما إذا كان المتهم وقت استعمال القسوة كان يؤدي وظيفته”
وقد فسرت محكمة النقض المصرية عبارة “حال تأدية وظيفته أو بسببها” الواردة بنص المادة 174 من القانون المدني، تفسيرا منطقيا نميل إلى الأخذ به بقولها “القانون المدني إذ نص فى المادة 174 على أن “يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه فى حال تأدية وظيفته أو بسببها، قد أقام هذه المسئولية على أساس خطأ مفترض فى جانب المتبوع فرضا لا يقبل إثبات العكس، مرجعه إلى سوء اختياره لتابعيه وتقصيره فى رقابتهم. والقانون إذ حدد نطاق هذه المسئولية بأن يكون العمل غير المشروع واقعا من التابع (حال تأدية الوظيفة أو بسببها) لم يقصد أن تكون المسئولية مقصورة على خطأ التابع وهو يؤدي عملا داخلا فى طبيعة وظيفته، ويمارس شأن من شئونها أو أن تكون الوظيفة هى السبب المباشر لهذا الخطأ، وأن تكون ضرورية لإمكان وقوعه بل تتحقق المسئولية أيضا كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله الضار غير المشروع أو هيئت له بأي طريقة كانت فرصة ارتكابه”
وعلى ذلك فإن الجاني يكون قد أتى السلوك الإجرامي المنصوص عليه فى المادة 129 عقوبات “اعتمادا على وظيفته” إذا كان قد ارتكبه حال تأدية وظيفته أو بسببها أو إذا كان قد ارتكبه فى غير أوقات العمل الرسمية متى كان قد استعمل القسوة استنادا إلى سلطان وظيفته.
وإذا كانت جريمة استعمال القسوة قد وقعت اعتمادا على الوظيفة فإنه عملا بالمادة 63/3 من قانون الإجراءات الجنائية فلا ترفع الدعوى الجنائية إلا من النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة، ويكفي أن يؤشر بكلمة أوافق أو نأذن أن ترفع الدعوى، ولكن لا تثريب على وكيل النيابة الجزئية أن يحدد الجلسة، وإذا رفعت الدعوى من وكيل النيابة الجزئية أى من غير من سلف ذكرهم فإنه يتعين القضاء بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لرفعها من غير ذي صفة أو بغير الطريق القانوني، وكذلك الدعوى المدنية لأنها تابعة للدعوى الجنائية.
وتقدير ما إذا كان الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة قد ارتكب السلوك الإجرامي المنصوص عليه فى المادة 129 عقوبات اعتمادا على وظيفته من عدمه من الأمور الموضوعية التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى وأوراقها دون ما معقب عليها فى ذلك من محكمة النقض مادام كان استخلاصها سائغا، فإن هى انتهت إلى أن فعل القسوة الذى أتاه الجاني كان اعتمادا منه على سلطة وظيفته وجب عليها أن توضح ذلك فى حكمها، وإلا كان حكمها مشوبا بالقصور فى التسبييب.
* * *
الفرع الثاني
تعد جريمة استعمال القسوة من الجرائم المادية أي ذات النتيجة فلا تقوم هذه الجريمة إلا إذا تحققت نتيجة معينة كأثر لمزاولة السلوك الإجرامي(فعل القسوة)، وهذه النتيجة هى المساس بسلامة جسد المجني عليه أو الإخلال بشرفه كنتيجة لوقوع العدوان عليه من الجاني.
ويكون المساس بسلامة الجسد بالاعتداء على أي عنصر من عناصر السلامة الجسدية، ويتحقق ذلك بكل فعل من شأنه أن يعرض وظائف الجسم للخلل أو يؤدي إلى شعور المجني عليه بألم بدني أو نفسي يقلل من قدرة استمتاعه بحقه فى سلامة جسده.
ولقد وصف المشرع فى المادة 129 من قانون العقوبات الفعل المادي الذى تقوم به جريمة استعمال القسوة بقوله “بحيث إنه أخل بشرفهم أو إحداث آلاما بأبدانهم” ليعبر عن رغبته فى اتساع مدلول القسوة لتشمل كل اعتداء يقع على جسم المجني عليه مهما ضؤلت جسامته، وسواء أكان من قبيل الضرب الذى يؤلم الجسم أم كان من قبيل الإيذاء الخفيف الذى يمس الشرف وإن لم يكن يؤلم الجسم. مؤدي ذلك أنه وإن كان المشرع يشترط لقيام فعل القسوة أن يقترف الجاني فعلا ماديا يستطيل إلى جسد المجني عليه إلا أنه يلزم أن يكون من شأنه إيلام البدن؛ إذ يستوي أن يكون من طبيعة الفعل إيلام البدن أو مجرد المساس بشرف المجني عليه دون إيلام بدنه
وقد قضت محكمة النقض بأن “ركن القسوة فى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 129 من قانون العقوبات يتحقق بكل فعل مادي من شأنه أن يحدث ألما ببدن المجني عليه مهما يكن الألم خفيفا، ولو لم يترتب على الفعل حدوث إصابات ظاهرة فيشمل إذن الضرب كما يشمل الإيذاء الخفيف
وقضت كذلك بأن: “جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة 129 من قانون العقوبات تتوافر أركانها باستظهار وقوع التعدي من المتهم على المجني عليه اعتمادا على سلطة وظيفته دون ما حاجة إلى ذكر الإصابات التى حدثت بالمجني عليه لهذا التعدي
ويجدر التنبيه إلى أن نص المادة 129 من قانون العقوبات ليس هو النص الوحيد الذى ينطبق على جميع أشكال العدوان التى تقع من الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة أيا كانت درجة جسامة أو فداحة النتيجة التى أدى إليها العدوان، إذ أن نص المادة 129 عقوبات لا ينطبق إلا على أفعال القسوة التى لم تتجاوز أو تتعدى نتيجتها الإجرامية المعاقب عليها بالمادة 242/1 من قانون العقوبات والتى تنص على أنه “إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها فى المادتين السابقتين يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيه مصري.
أما إذا تجاوزت النتيجة الإجرامية المترتبة على فعل القسوة النتيجة المعاقب عليها بالمادة 242/1 من قانون العقوبات، وتعدتها إلى إحدى النتائج المشار إليها فى المادة 236 من قانون العقوبات والتى تنص على أن “كل من جرح أو ضرب أحدا أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث إلى سبع سنوات، وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن والمادة 240 من قانون العقوبات تنص على أن “كل من أحدث بغيره جرحا أو ضربا نشأ عنه قطع أو انفصال عضو فقد منفعته أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين أو نشأ عنه أي عاهة مستديمة يستحيل برؤها يعاقب بالسجن من ثلاث إلى خمس سنوات، أما إذا كان الضرب أو الجرح صادرا عن سبق إصرار أو ترصد أو تربص فيحكم بالسجن المشدد من ثلاث إلى عشر سنوات والمادة 241 من قانون العقوبات والتى تنص على أن “كل من أحدث بغيره جرحا أو ضربا نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيها مصريا، ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري. أما إذا صدر الضرب أو الجرح عن سبق إصرار أو ترصد أو حصل باستعمال أية أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى فتكون العقوبة الحبس و242/2، 3 والتى تنص على أنه “فإن كان صادرا (الضرب أو الجرح) عن سبق إصرار أو ترصد تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصرى، وإذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أية أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى تكون العقوبة الحبس.
جريمة استعمال القسوه | محامي جنائي
ففى كل هذه الحالات فإن جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة 129 عقوبات تقوم وبجوارها -بحسب جسامة الفعل ونتائجه- إحدى الجرائم المشار إليها فى المواد المبينة آنفا، وحينئذ نكون بصدد حالة من حالات تعدد الجرائم؛ ولأن العقوبات المقررة فى تلك الجرائم أشد من العقوبات المقررة لجريمة استعمال القسوة، فإن نص المادة 32/1 من قانون العقوبات والتى تقضي بأن “إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التى عقوبتها أشد والحكم بعقوباتها دون غيرها” هو الذى يكون واجب التطبيق؛ بمعنى أنه إذا تجاوز فعل القسوة إلى حد الضرب المفضي إلى الموت أو الضرب الذى ينشأ عنه عاهة مستديمة أو الضرر الذى ينشأ عنه مرض أو عجز عن الأعمال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما أو الضرب أو الجرح الذى يحدث بالطريقة المنصوص عليها فى المادة 242/2، 3 فإن نص المادة 129 عقوبات لا ينطبق، وإنما ينطبق نص الجريمة ذات العقوبة الأشد
الفرع الثالث
لا يكفي لقيام جريمة استعمال القسوة أن يقترف الجاني السلوك الإجرامي المعاقب عليه فى المادة 129 عقوبات (فعل القسوة) وأن تحدث النتيجة الإجرامية المعاقب عليها فى المادة ذاتها (الإخلال بشرف المجني عليه أو المساس بسلامة جسده) وإنما ينبغي أن تتوافر علاقة السببية بين السلوك الإجرامي، ونتيجته بمعنى أن يكون السلوك هو الذى أدى إلى حدوث النتيجة الإجرامية.
وعلى ذلك فإذا انتفت رابطة السببية بين فعل القسوة، وبين ما أصاب المجني عليه من أذى فى شرفه أو جسده، فلا تقوم الجريمة، ومن ثم فلا محل لمساءلة المتهم عن الأذى الذى حل بالمجني عليه؛ لأنه لم يكن من صنع فعله.
ولا يكفي أن تتوافر رابطة السببية بين السلوك الإجرامي المكون لفعل القسوة، وبين النتيجة المعاقب عليها فى المادة 129 عقوبات، وإنما يلزم كذلك توافر رابطة السببية بين فعل القسوة ووظيفة الجاني؛ إذ يلزم أن يكون الجاني قد أتى السلوك الإجرامي معتمدا على سلطان وظيفته وإلا شكل ذلك جريمة أخرى غير الجريمة المنصوص عليها فى المادة 129 عقوبات وفقا للقواعد العامة العادية.
أسباب الإباحة
اشترطت المادة 186 من قانون العقوبات الفرنسي المقابلة لنص المادة 129 من قانون العقوبات المصري لقيام الجريمة أن يكون الجاني قد استعمل القسوة اعتمادا على سلطة وظيفته دون مسوغ قانوني([27])، أما المشرع المصري فلم يتضمن نص المادة 129 عقوبات هذا الشرط اكتفاء بالنص العام الوارد بالمادة 63 من قانون العقوبات والتى تقضي بأن “لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري فى الأحوال الآتية:
أولاً:إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه.
ثانياً: إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه.
وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته، وأن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة([28]).
* * *
المطلب الثاني
الركــن المعنوي
جريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة 129 من قانون العقوبات من الجرائم العمدية التى يتخذ الركن المعنوي صورة القصد الجنائي العام، وعليه فلا يكفي لقيام جريمة استعمال القسوة أن يقارف الجاني ركنها المادي بعناصره الثلاث من سلوك، ونتيجة ورابطة سببية أو بعبارة أخرى فلا يكفي لقيام الجريمة أن يستعمل الجاني القسوة ضد أحد الأشخاص اعتمادا على وظيفته؛ فيؤدي ذلك إلى إيذائه بدنيا، وإنما يلزم بالإضافة إلى ذلك أن تتجه إرادة الجاني إلى إحداث السلوك الإجرامي مع علمه بهذه الوقائع، وعلمه بأن القانون يجرم ارتكابها
ولما كانت جريمة استعمال القسوة من الجرائم العمدية، لذا فإن نص المادة 129 من قانون العقوبات لا ينطبق إلا على أفعال القسوة المتعمدة، فلا محل لتطبيق هذا النص على أفعال القسوة التى تقع دون قصد أي تلك التى يتخذ الركن المعنوي فيها صورة الخطأ غير العمدى فلو أن شرطيا انكفأ أثناء مروه على متهم واقف أمام المحقق أثناء المعاينة فأوقعه فى إناء به ماء متسخ فلا تتوافر فى حقه جريمة استعمال القسوة لأن تصرفه لم يكن عن عمد
ولم يشترط المشرع فى المادة 129 من قانون العقوبات أن يكون الجاني قد ارتكب جريمة استعمال القسوة مدفوعا بباعث أو غرض معين، ومن ثم فإن القصد الجنائي العام وحده يكفي لتشكيل الركن المعنوي للجريمة دون تطلب أي قصد خاص.
فلا أهمية للباعث الذى دفع الجاني إلى ارتكاب فعل القسوة على قيام الجريمة؛ لأنه ليس ركنا أو عنصرا فيها، لذا فيستوي أن يكون الباعث على ارتكاب الجريمة معروفا أم مجهولا، خبيثا كالرغبة فى الانتقام، وإظهار النفوذ أم شريفا كالرغبة فى تنظيم سير العمل فى المرفق الذى يعمل فيه الجاني
العقوبـــة
يعاقب الجاني الذى ارتكب جريمة استعمال القسوة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه مصري، وللقاضي السلطة التقديرية فى تحديد مقدار أو مدة عقوبة الحبس المحكوم به، بحيث لا تزيد على سنة، وكذلك الحال بالنسبة لعقوبة الغرامة إذ يتعين ألا تزيد على مائتي جنيه مصري.
ولا يجوز الجمع بين عقوبة الحبس والغرامة، وإنما للقاضي أن يختار عقوبة واحدة من بينهما.
أوجه الشبه والاختلاف بين جريمة التعذيب وجريمة استعمال القسوة
أولاً:أوجه الشبه
وردت المادتان 126، 129 من قانون العقوبات فى باب واحد هو الباب السادس من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاص بالإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس، لذا فإن الجريمتين يتشابهان معا فى أن الجاني فى كل منهما هو شخص من رجال السلطة العامة. فجريمة تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف لا تقع إلا من موظف عام، وبالمثل أيضا جريمة استعمال القسوة، إذ لا تقع هى الأخرى إلا من موظف عام، غير أن المشرع فى المادة 129 عقوبات أضاف بجانب صفة الموظف العام صفة أخرى هى صفة المكلف بخدمة عامة.
وسواء كان الشخص موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة فكلاهما من رجال السلطة العامة.
ثانياً:أوجه الاختلاف
لا يشترط فى جريمة استعمال القسوة أن يكون الجاني قد أتاها أثناء قيامه بأعمال وظيفته، وإنما يكفي أن تكون الوظيفة قد هيأت له ارتكابها أو ساعدته على ذلك.
أما بالنسبة لجريمة التعذيب فإنه يشترط أن يقترفها الجاني أثناء أداء وظيفته، وتجدر الإشارة إلى أن الموظفين من فئة رجال الأمن أو البوليس يعتبرون فى حالة عمل طوال اليوم بحكم طبيعة عملهم. وذلك خلاف الحال بالنسبة لموظفي الجهات الإدارية الأخرى فى الدولة الذين تنقطع صلتهم بالعمل بانتهاء مواعيده الرسمية، وإن بقيت لهم صفتهم الوظيفية التى هى الأساس فى جريمة استعمال القسوة
ومن ناحية أخرى فإن المشرع قد اشترط فى جريمة التعذيب أن يكون الجاني فيها مدفوعا إلى ارتكابها بباعث خاص هو حمل المتهم على الاعتراف بجريمة معينة، ومن ثم فإن الركن المعنوي فى جريمة التعذيب يقوم على قصدين الأول عام، والثاني خاص، فى حين أن المشرع فى المادة 129 عقوبات لم يتطلب ضرورة توافر القصد الجنائي الخاص، لذا فإن القصد الجنائي العام وحده يكفي لقيام الركن المعنوي فى هذه الجريمة.
ومن ناحية ثالثة فإن المشرع فى المادة 126 من قانون العقوبات تطلب أن يكون المجني عليه فى هذه الجريمة متمتعا بصفة خاصة وهى أن يكون المجني عليه “متهما” بارتكاب جريمة معينة، فالحماية الجنائية لنص المادة 126 عقوبات لا تنصرف إلى جميع الأشخاص، وإنما تقتصر فحسب على من يتمتع منهم بصفة “المتهم”.
أما فى جريمة استعمال القسوة فلم تشترط المادة 129 من قانون العقوبات صفة معينة فى المجني عليه بل إن نصها جاء مجردا من هذا التحديد الوارد بالمادة 126 عقوبات. فالمادة 129 من قانون العقوبات تنصرف بالحماية إلى جموع الأشخاص أيا كانت صفتهم، أي سواء أكانوا متهمين، أم غير ذلك، وسواء أكانون موظفين أم غير ذلك. لأن نص المادة 129 عقوبات قد جاء عاما محرما استعمال القسوة مع “الناس”
وجدير بالذكر أن القصد الجنائي الخاص اللازم توافره لدى الجاني عند اقتراف جريمة التعذيب، وصفة المجني عليه فى هذه الجريمة “المتهم” يعد من أبرز السمات والخصائص التى تتميز بها جريمة التعذيب المنصوص عليها فى المادة 126 من قانون العقوبات، وغيرها من جرائم الاعتداء على الأشخاص الأخرى التى يرتكبها رجال السلطة العامة بما فى ذلك الجريمة المنصوص عليها فى المادة 129 عقوبات طالما أن كلتا الجريمتين ترتكب من موظف عام ودون اشتراط درجة معينة من الجسامة فى العدوان الحاصل فيها.