ما هو الفرق بين الاعتراف والاقرار؟
ما هو الفرق بين الاعتراف والاقرار؟
ما هو الفرق بين الاعتراف والاقرار؟
تعريف الاعتراف
الأعتراف هو قول صادر عن المتهم يقر فيه بصحة نسبة التهمة اليه. وهو بذلك يعتبر سيد الأدلة.
ويجب التفرقة بين الأعتراف وبين أقوال المتهم التي قد يستفاد منها ضمنيا ارتكابه الفعل الاجرامي المنسوب اليه. فهذه الأقوال مهما كانت دلالتها لا ترقى إلى مرتبة الأعتراف الذي لا بد أن يكون صريحا
تعريف الاعتراف
الأعتراف هو قول صادر عن المتهم يقر فيه بصحة نسبة التهمة اليه. وهو بذلك يعتبر سيد الأدلة.
ويجب التفرقة بين الأعتراف وبين أقوال المتهم التي قد يستفاد منها ضمنيا ارتكابه الفعل الاجرامي المنسوب اليه. فهذه الأقوال مهما كانت دلالتها لا ترقى إلى مرتبة الأعتراف الذي لا بد أن يكون صريحا.
فالاعتراف هو إقرار بارتكاب الفعل المسند إلى المتهم. والاقرار بطبيعته لا بد أن يكون واضحا في الوقت ذاته. ولذلك فان أقوال المتهم واقراره ببعض الوقائع التي يستفاد منها باللزوم العقلي والمنطقي ارتكابه للجريمة لا يعتبر اعترافا. وهذه الصفة اللازم توافرها في الأعتراف هي التي جعلت منه الدليل الأول للإثبات باعتبار أنه لا يحتمل تفسيراً أو تأويلاً.
كذلك لا يعتبر اعترافا أقوال المتهم على متهم آخر اشترك معه في ارتكاب الجريمة، فهذا الأعتراف يقتصر على ما أدلى به المتهم من أقوال يقر فيها بسلوكه الشخصي هو، أما أقواله على غيره من المتهمين فلا تعتبر اعترافاً وإنما اقوالاً لا ترقى إلى مرتبة الشهادة القانونية التامة وإن كانت المحكمة تملك تقديرها على سبيل الاستدلال.
كما يخرج من محيط الأعتراف أقوال المتهم التي يقر فيها بتواجده على مسرح الجريمة إلا أنه ينفي في الوقت ذاته مشاركته في ارتكاب الفعل المنسوب اليه.
وقد يكون الأعتراف كاملا كما قد يكون جزئيا. فالاعتراف الكامل هو الذي يقر فيه المتهم بصحة إسناد التهمة كما صورتها ووصفتها سلطة التحقيق، وذلك إذا كان الأعتراف أمام المحكمة.
وإذا كان الأعتراف بالتحقيقات الأولية فإنه يكون كاملا إذا كان منصباً على ارتكاب الجريمة موضوع التحقيق في أركانها المادية والمعنوية. ويكون جزئياً إذا اقتصر المتهم على الإقرار بارتكاب الجريمة في ركنها المادي نافياً مع ذلك مسئوليته عنها أو اعترف بمساهمته فيها بوصفه شريكاً بالمساعدة ونفى قيامه بارتكاب السلوك الإجرامي المنسوب اليه.
ففي جميع الأحوال التي يقر فيها المتهم بإتيانه سلوكاً يندرج في جزء منه تحت التهمة المنسوبة اليه يكون الأعتراف جزئياً، حتى ولو أورد في أقواله من الوقائع التي تنفي عنه المساءلة الجنائية. كما يكون جزئياً أيضاً إذا أقر بارتكابه الجريمة ولكن في صورة مخففة تختلف عن التصوير المنسوب إليه. كما لو كانت التهمة المنسوبة اليه هي القتل العمد فيعترف بأنه قتل المجني عليه خطأ.
شروط صحة الاعتراف:
يشترط في الأعتراف لكي يكون صحيحا ويمكن الاستناد اليه كدليل في الحكم الشروط الآتية:
1- يجب أن يكون المتهم قد أدلى به وهو في كامل ارادته ووعيه. فلا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يصدر من المتهم في حالة فقدان الإرادة كما لو كان تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو تحت تأثير مخدر، أو عقار يسلبه إرادته كما هو الشأن بالنسبة لما يسمى بعقار الحقيقة. ذلك أن الأعتراف هو سلوك إنساني. والقاعدة أنه لا يعتبر سلوكاً إلا ما كان يجد مصدراً له في الإرادة.
ولا يكفي أن يكون المتهم قد أدلى باعترافه عن إرادة واعية بل يلزم أن تكون هذه الإرادة لم يباشر عليها أي ضغط من الضغوط التي تعيبها وتؤثر عليها كإكراه أو تعذيب أو تهديد.
ولا يتوافر للاعتراف شروط صحته حتى في الأحوال التي يحصل فيها الإقرار نتيجة تضليل أو خداع كالوعد مثلا بالإفراج عنه وتبرئته أو إيهام المتهم أن الاعتراف في صالحه وأن من مصلحته الخاصة أن يعترف وإلا أساء لمركزه في الدعوى. ففهي جميع هذه الفروض تكون إرادة المتهم ليست حرة فيما أدلت به ولذلك يحب طرح هذا الدليل ولا يجوز الاستناد إليه في الحكم.
2- يجب أن يكون الأعتراف قد توافر فيه الشكل القانوني المستمد من الجهة التي يدلي أمامها المتهم باعترافه. أما الاعتراف الصادر أمام مأموري الضبط القضائي أو النيابة بمحاضر الاستدلالات فلا تعتبر إلا مجرد أقوال وليست اعترافات بالمعنى القانوني للكلمة.
كما لا يعتبر اعترافاً الإقرار بارتكاب الجريمة أمام أحد الشهود طالما أن المتهم قد أنكر في التحقيقات أمام سلطة التحقيق الابتدائي أو أمام المحكمة، وأن كان يمكن سماع شهادة الشاهد الذي أدلى أمامه بالاعتراف وذلك كدليل مستقل مستمد من شهادة الشاهد وليس من اعتراف المتهم.
3 – يجب أن يكون الأعتراف قد صدر بناء على إجراء صحيح. فالاعتراف الذي جاء وليد إجراء باطل يعتبر باطلاً هو الآخر ولا يجوز الاستناد اليه. فاعتراف المتهم نتيجة استجواب المحكمة له دون قبوله الصريح يعتبر باطلاً. كذلك الاعتراف الذي جاء وليد تفتيش باطل يكون هو الآخر باطلاً. ذلك أنه في مثل تلك الفروض تكون إرادة المتهم في إدلائه بأقواله متأثرة بما أسفر عنه الإجراء الباطل.
ويقع باطلاً أيضاً الأعتراف الذي جاء وليد تعرف المجني عليه على المتهم في عملية عرض باطلة أو نتيجة التعرف عليه من الكلب البوليسي في عرض باطل. إذ مظنة التأثير على الإرادة في جميع تلك الفروض تكون قائمة ومن ثم تعين استبعاد الاعتراف كدليل. وإذا استندت إليه المحكمة في حكمها كان مشوباً بالبطلان.
4 – يجب أن يكون الاعتراف صريحاً وواضحاً في الوقت ذاته. لا يحتمل تأويلاً أو تفسيراً، فغموض الأقوال التي أدلى بها المتهم من حيث دلالتها على ارتكابه للجريمة محل الاتهام المنسوب اليه ينفي عنها صفة الأعتراف وإن كان للمحكمة أن تستند إلى تلك الأقوال لتعزيز أدلة الثبوت الأخرى.
وإنما لا يجوز الاستناد إلى تلك الأقوال وحدها في إدانة المتهم. ومع ذلك فقد يدلي المتهم بأقوال يستفاد منها ضمناً اعترافه بارتكاب الجريمة المسندة اليه، إلا أننا نرى حتى في مثل تلك الفروض، التي يطلق عليها البعض الأعتراف الضمني، لا نكون بصدد اعتراف كدليل مستقل وإنما يمكن أن تستند المحكمة إلى تلك الأقوال طالما وجدت أدلة أخرى تعزز ما انتهت إليه المحكمة في تكوين عقيدتها.
ويعطي البعض أمثلة للاعتراف الضمني بما يحدث في الأحوال التي يبدي فيها المتهم استعداده للاعتذار أو للتوبة أمام المحكمة أو أمام سلطة التحقيق.
والواقع أن مثل تلك الأمثلة من الاعترافات الضمنية قد يكون الباعث على الادلاء بها هو حرص المتهم على الخروج من دائرة الاتهام التي أحاطت به معتقداً أنه بطلب المغفرة سيكون بمنجى من العقوبة التي ابتدأ شبحها يتردد أمامه. ولذلك يكون من الخطورة بمكان أخذ مثل هذه الأقوال باعتبارها اعترافاً وإدانته على أساسها استقلالاً.
إذ أن دافع الرهبة والخوف والحرص على التخلص من التهمة التي أسندت إليه قد يدفع بعض المتهمين وغالباً الذين يجرمون لأول مرة لأن يتورطوا في مثل تلك الأقوال التي تؤخذ عليهم باعتبارها اعترافاً ضمنياً.
ومن أجل ذلك فإننا نرى لزوم أن يكون الاعتراف صريحاً وواضحاً حتى يمكن الأخذ به كدليل مستقل عن أدلة ثبوت التهمة.
سلطة المحكمة في تقدير الاعتراف:
يخضع الأعتراف في تقدير قيمته كدليل إلى سلطة المحكمة شأنه في ذلك شأن أدلة الإثبات الأخرى. فليس معنى اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه أن تكون المحكمة ملزمة بالحكم بالإدانة، بل لها إن لم يكن من واجبها أن تتحقق من أن الاعتراف الصادر من المتهم قد توافرت فيه شروط صحته من حيث عدم تأثر إرادة المتهم بأي مؤثر خارجي. كما ينبغي عليها مراعاة باقي الشروط الأخرى حتى يمكنها التعويل عليها كدليل.
وحتى الأعتراف المتوافر فيه شروط الصحة كلها لا بد أن يكون مطابقاً وماديات الواقعة كما استخلصتها المحكمة في تحقيقاتها ومن الأوراق. فالاعتراف المتناقض مع حقيقة الواقعة لا يصح التعويل عليه.
ويقع على عاتق المحكمة واجب التحقق من تطابق الاعتراف الموضوعي مع حقائق الدعوى وتطابقه النفسي من حيث اتجاه إرادة المعترف إلى اقتراف السلوك الإجرامي وليس إلى مجرد تحمل المسئولية.
وخضوع الأعتراف لمطلق تقدير المحكمة واضح من نص المادة 244 التي أجازت للمحكمة عند اعتراف المتهم أمامها أن تحكم في الدعوى دون سماع الشهود وتحقيق الدعوى. ومعنى ذلك أنه يجوز للمحكمة أن تسير في الدعوى إلى نهايتها وتحقق الأدلة الأخرى رغم صدور اعتراف من المتهم أمامها.
ومتى اطمأنت المحكمة إلى الأعتراف وتحققت من توافر جميع شروط صحته كان لها أن تستند إليه في الحكم على المتهم حتى ولو لم يكن قد وقع أمامها وإنما أمام سلطات التحقيق.
كذلك لا يؤثر في إمكان الاستناد الي الاعتراف أن يكون المتهم قد أنكر التهمة في مرحلة تالية من التحقق الابتدائي وعدل عن اعترافه حتى ولو أصر على العدول أمام المحكمة. ويكون الحكم صحيحاً ولو عول على اعتراف المتهم رغم أنه دفع بوقوعه على أثر إكراه أو تحت تأثيره ما دامت المحكمة قد حققت دفاعه واطمأنت إلى أن الاعتراف كان صحيحاً لتوافر شروط صحته فيه.
والمحكمة في تقديرها للاعتراف عليها أن تتحقق إذا ما حكمت ببطلان الاجراء السابق عليه من أنه لم يكن وليد الاجراء الباطل. وهي في ذلك لها مطلق التقدير، فيجوز للمحكمة أن تعتمد الاعتراف الصادر من المتهم أمام النيابة أثر تفتيش باطل من مأموري الضبط القضائي طالما أنها خلصت إلى أن المتهم حين أدلى لم يكن متأثراً بالإجراء الباطل، مهما كانت الفترة الزمنية التي انقضت بين الاجراء الباطل والأعتراف.
فقد تكون فترة قصيرة ورغم ذلك تعتد المحكمة بالاعتراف وقد تكون بعيدة بعض الشيء ولكن ترى المحكمة أن المتهم كان متأثراً بالإجراء الباطل.
سلطة المحكمة في تجزئة الاعتراف:
إذا كان الاعتراف يخضع لتقدير المحكمة باعتباره دليلاً يمكن الاستناد إليه، فيكون من سلطة المحكمة أن تطرحه كلية أو تأخذه بجزء منه وتطرح الباقي طالما لم تطمئن إليه.
وهذه القاعدة العامة مستفادة من حرية القاضي في تكوين اقتناعه. فقد رأينا أن القاضي يمكنه تجزئة الدليل المقدم في الدعوى والذي طرح بالجلسة فيأخذ منه ما يفيده في تكوين عقيدته متى اطمأن إليه ويطرح ما لا يطمئن إليه. والاعتراف في هذا شأنه شأن سائر الأدلة الأخرى.
ويلاحظ أن سلطة المحكمة في تجزئة الاعتراف تختلف عما يطلق عليه الاعتراف الجزئي. فالاعتراف الجزئي هو اعتراف بوقائع معينة دون أن ينصرف إلى التهمة بأكملها. والاعتراف الجزئي هو صورة من صور الاعتراف ولذلك يجوز تجزئته هو الآخر.
والمقصود بتجزئة الاعتراف أن تستند المحكمة إلى اعتراف المتهم بوقائع معنية وتطرح اعترافه بالنسبة لوقاع أخرى بأقواله لأنها لم تطمئن إلى صدقها.
وقد يحدث أن يكون اعتراف المتهم يتضمن في جزء منه أقوالاً على متهم آخر. وهنا لا نكون بصدد اعتراف بالنسبة للجزء الخاص بالمتهم الآخر وإنما تعتبر أقوال متهم على متهم وهي ليست دليلاً من أدلة الإثبات وإنما تؤخذ على سبيل الاستدلال. ومن ثم لا يصح الاستناد على تلك الأقوال بمفردها للحكم على المتهم لتعزيز الأدلة الأخرى القائمة في الدعوى.
ونظراً لقيمة الاعتراف في الإثبات فإن المحكمة يجب عليها إذا رأت عدم الأخذ به تسبيب رأيها في ذلك. فإذا كان للمحكمة مطلق التقدير في طرح الأدلة الأخرى دون ان تبين الأسباب التي أدت إلى عدم اطمئنانها إليها، فأنه بالنسبة للاعتراف لا يجوز لها ذلك، حتى ولو كان الاعتراف جزئياً.
ذلك أن الاعتراف الجزئي وإن تمثل في جانب منه في صورة دليل إثبات فهو في جانبه الآخر وسيلة من وسائل دفاع المتهم للتهمة المنسوبة إليه. ولذلك ينبغي على المحكمة دائماً إذا طرحت الاعتراف الجزئي أن تبين الأسباب التي استندن إليها في ذلك. غير أن تسبيب طرح الاعتراف الكامل أو الجزئي يستلزم أن تكون المحكمة قد قضت بعكس ما يؤدي إليه الاعتراف.
وذلك فإن التسبيب يكون واجباً في الاعتراف الكامل إذا هي قضت بالبراءة ويكون واجباً في الاعتراف الجزئي إذا هي قضت بالإدانة.