جرائم السب والقذف والبلاغ الكاذب pdf
جرائم السب والقذف والبلاغ الكاذب pdf
جرائم السب والقذف والبلاغ الكاذب pdf
من جرائم الشكوى وهما جريمتين عقوباتهما ليست بهينة
عقابيا سواء الحبس والغرامة والتعويض
لكن
هما من جرائم الشكاوى يخضعان لنص المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية
اى يجب رفعهم فى خلال 3 شهور من تاريخ العلم
ويسقط الحق فيهما بمضي ال3 شهور
جرائم السب والقذف والبلاغ الكاذب pdf
جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار
تمهيد:
نص المشرع على جرائم القذف والسب والبلاغ الكاذب والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة وإفشاء الأسرار في الباب السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات تحت عنوان “القذف والسب وإفشاء الأسرار” (المواد من 302 إلى 310). وتشترك هذه الجرائم في وحدة الحق المعتدى عليه، وهو حق الشخص في حماية شرفه واعتباره. ويقصد بالشرف والاعتبار المكانة التي يتمتع بها كل شخص في المجتمع والتي تعطيه الحق في أن يعامله الغير باحترام وتقدير. وتتكون تلك المكانة من مجموعة من الصفات الموروثة والمكتسبة ومن تصرفات الشخص وعلاقاته بغيره من أفراد المجتمع. وهي تحدد طبقاً لضابط موضوعي يتمثل في الرأي السائد لدى الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الشخص.
وسوف نقتصر هنا على دراسة جرائم القذف، والسب، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وتخص لكل من هذه الجرائم الثلاثة فصلاً على حدة.
الفصل الأول
القذف
تقسيم:
إن دراسة جريمة القذف تتطلب بيان أركانها، ثم تحديد العقوبة المقررة لها، وأخيراً تناول أسباب إباحتها. ونعالج هذه الموضوعات في ثلاثة مباحث متتالية.
المبحث الأول
أركان القذف
تعريف القذف وتحديد أركانه:
وضع المشرع تعريفاً للقذف في الفقرة الأولى من المادة 302 من قانون العقوبات التي نصت على أنه: “يعد قاذفاً كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبنية بالمادة 171 من هذا القانون أموراً لو كانت صادقة لأوجب عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه”.
ويستخلص من هذا التعريف أن جريمة القذف تتطلب لقيامها أركاناً ثلاثة هي: (أولاً): الركن المادي، وقوامه إسناد واقعة محددة إلى المجني عليه لو كانت صحيحة لأوجبت عقابه أو احتقاره. (ثانياً): ركن العلانية، ويعني وجوب أن يرتكب فعل الإسناد بواسطة إحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة 171 من قانون العقوبات. (ثالثاً): الركن المعنوي ويتخذ صورة القصد الجنائي لأن القذف جريمة عمدية.
المطلب الأول
الركن المادي للقذف
تعريفه:
يتحقق الركن المادي في جريمة القذف بإتيان نشاط إجرامي معين يتمثل في “فعل الإسناد” ويجب أن ينصب على موضوع معين هو واقعة محددة من شأنها لو كانت صحيحة، عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه.
1 ـ فعل الإسناد:
ويقصد به نسبة واقعة معينة أو أمر ما إلى شخص معين، سواء أكان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، وذلك بأية وسيلة من وسائل التعبير عن المعنى كالقول أو الصياح، أو الفعل أو الإيماء، أو الكتابة وما في حكمها.
ويتحقق الإسناد سواء كانت نسبة الواقعة أو الأمر إلى المجني عليه على سبيل الجزم واليقين أو على سبيل الشك والاحتمال. أي أن فعل الإسناد يتوافر بمجرد الإخبار بواقعة قد تحتمل الصدق أو الكذب. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن: “الإسناد في القذف كما يتحقق بكل صيغة توكيدية يتحقق أيضاً بكل صيغة ولو تشكيكية من شأنها أن تلقى في روع الجمهور عقيدة ولو عاجلة أو ظناً أو احتمالاً ولو وقتيين في صحة الأمور المدعاة.
كذلك يستوي في فعل الإسناد أن تكون نسبة الواقعة الشائنة إلى المجني عليه من إنشاء الجاني نفسه أو منقولة عن الغير. وعلة ذلك، كما قضت محكمة النقض، أن نقل عبارات القذف ونشرها يعتبر في حكم القانون كالنشر الجديد سواء بسواء، وعلى ذلك لا يقبل من أحد للإفلات من المسئولية الجنائية أن يتذرع بأن الكتابة التي تتضمن جريمة إنما نقلت عن صحيفة أخرى، إذ الواجب يقضي على من ينقل كتابة سبق نشرها بأن يتحقق من قبل إقدامه على النشر من أن تلك الكتابة لا تنطوي على أية مخالفة للقانون.
كذلك يتحقق الإسناد سواء كان صريحاً أو ضمنياً. وفي هذا المعنى قالت محكمة النقض أنه: “لا عبرة بالأسلوب الذي تصاغ فيه عبارات القذف، فمتى كان المفهوم من عبارة الكاتب أنه يريد به إسناد أمر شائن إلى شخص المقذوف بحيث لو صح ذلك الأمر لأوجب عقاب من أسند إليه أو احتقاره عند أهل وطنه، فإن ذلك الإسناد يكون مستحق العقاب أياً كان القالب أو الأسلوب الذي صيغ فيه. وقضى بأن المداورة في الأساليب الإنشائية بفكرة الفرار من حكم القانون لا نفع فيها للمداور مادامت الإهانة تتراءى للمطلع خلف ستارها وتستشعرها الأنفس من خلالها، إنما تلك المداورة مخبثة أخلاقية شرها أبلغ من شر المصارحة، فهي أجدى منها بترتيب حكم القانون.
ويتوافر الإسناد أيضاً سواء صيغت عباراته على سبيل الافتراض أو الاستفهام أو الإجابة على تساؤل موجه إلى المتهم، كمن يجيب بلفظ “نعم” رداً على من سأله: هل نسبت إلى فلان أنه سرق؟
2 ـ موضوع الإسناد:
يفترض الركن المادي في جريمة القذف بالإضافة إلى فعل الإسناد، أن ينصب هذا الفعل على موضوع معين وهو “واقعة محددة يكون من شأنها لو كانت صحيحة عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه”. وعلى ذلك، يشترط أن يتوافر في الواقعة المكونة للقذف شرطان هما: (الأول) أن تكون محددة (ثانياً) أن يكون من شأنها لو كانت صحيحة عقاب من أسندت إليه أو احتقاره. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يشترط في موضوع الإسناد أن يكون موجهاً إلى شخص معين أو أشخاص معينين، وهو ما يقتضي تعيين شخص المجني عليه.
· أولاً: يجب أن تكون الواقعة محددة:
يقصد بالواقعة كل أمر إيجابي أو سلبي يتصور حدوثه، ومن ثم يمكن إسناده إلى المجني عليه، سواء حدث فعلاً أو كان حدوثه ممكناً. أما إذا كانت الواقعة مستحيلة الوقوع فإن جريمة القذف لا تتوافر. وينبغي أن تكون الواقعة المسندة إلى المجني عليه محددة. وتحديد الواقعة هو ضابط التمييز بين جريمتي القذف والسب. فإذا كانت الواقعة الشائنة التي نسبها الجاني إلى المجني عليه معينة ومحددة على نحو يمكنك إقامة الدليل عليها فإن الجريمة تكون قذفاً، مثال ذلك: إذا أسند شخص إلى آخر أنه سرق نقود زميله أو إلى موظف أنه اختلس مالاً في عهدته بسبب وظيفته. وعلى العكس، إذا أسند المتهم إلى المجني عليه مجرد عيب يتضمن مساساً بشرفه واعتباره دون أن يكون قد نسب إليه واقعة محددة، فإن الجريمة تعتبر سباً، مثال ذلك، قول المتهم المجني عليه أنه لص أو مرتشي أو زان أو نصاب.
فتحديد الواقعة إذن معناه أن تكون معينة وواضحة بحيث يمكن إقامة الدليل عليها. كما لو اسند شخص إلى المجني عليه أنه ارتكب جريمة سرقة وحدد الظروف التي ارتكبت فيها كزمان ومكان ارتكابها وعين الشيء المسروق والمجني عليه في السرقة. غير أنه لا يشترط في الواقعة أو الوقائع المتضمنة للقذف أن تكون معينة ومحددة تحديداً تاماً ومطلقاً، وإنما يكفي التحدي النسبي للواقعة. وتقدير ذلك من شأن قاضي الموضوع في ضوء ظروف كل حالة على حدة. تحت رقابة محكمة النقض. فمثلاً إذا نسب شخص إلى آخر أنه لص دون أن يحدد المال المسروق ولا زمان ومكان ارتكاب السرقة، وتبين من الظروف التي وقع فيها فعل الإسناد أن المتهم كان يقصد نسبة سرقة مال معين كان قد سرق، وهذه جريمة محددة، فإنه في هذه الحالة يكون قد ارتكب قذفاً. ونفس الحكم يصدق على من قال لآخر أنه مرتشي أو مزور، وثبت من الظروف التي ارتكب فيها هذا الفعل أنه يريد بذلك جريمة محددة.
أما إذا تعذر تحديد الواقعة الشائنة المسندة إلى المجني عليه، فإن جريمة القذف لا تكون متوافرة، ويسأل المتهم عن سب.
· ثانيا: أن يكون من شأن هذه الواقعة عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه:
تطلب المشرع هذا الشرط صراحة في المادة 302 من قانون العقوبات بقوله: “… أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه”. ومؤدى ذلك، أن الواقعة المسندة إلى المجني عليه قد تتخذ إحدى صورتين: الأولى:: أن يكون من شأن الواقعة عقاب المجني عليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً. والثانية: أن يكون من شأنها احتقار المجني عليه عند أهل وطنه. وكل منهما تكفي لقيام جريمة القذف.
الواقعة التي تستوجب العقاب:
ويقصد بهذه الصورة أن تكون الواقعة المسندة إلى المجني عليه جريمة تستوجب معاقبة مرتكبها، سواء كانت جناية أو جنحة أو مجرد مخالفة. والضابط في تحديد طبيعة الواقعة، وما إذا كانت تستوجب العقاب أم لا هو نصوص قانون العقوبات والقوانين المكملة له. وقد أثير التساؤل في الفقه حول إمكان قيام جريمة القذف بإسناد واقعة تستوجب معاقبة من أسندت إليه تأديباً؟. فأجاب جانب من الفقه على ذلك بالإيجاب استناداً إلى القول بأن العبارة التي استعملها المشرع في المادة 302 من قانون العقوبات وهي “العقوبات المقررة لذلك قانوناً” جاءت عامة. ومن ثم تشمل العقوبات التأديبية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إسناد واقعة تستوجب الجزاء التأديبي يمس الاعتبار الوظيفي أو المهني للمجني عليه، ومن ثم ينطوي على مساس بمكانته الاجتماعية.
ويرفض جانب آخر من الفقه التسليم بهذا الرأي على أساس أن لفظ “العقاب” المنصوص عليه في المادة 302 من قانون العقوبات إنما ينصرف فقط إلى “العقوبة الجنائية”. ولما كان القياس في مجال التجريم غير جائز، فإنه يصعب القول بأن هذا اللفظ يتسع للجزاء التأديبي، ثم إن المشرع لو أراد ذلك لنص عليه صراحة.
وعلى أية حال، فإن النتائج العملية لهاتين الوجهتين من النظر تكاد تكون واحدة، لأن إسناد واقعة شائنة تستوجب مساءلة المجني عليه تأديبياً يكون في الغالب موجباً للاحتقار، وبالتالي تكون جريمة القذف متوافرة. وهذا ما يسلم به أنصار الرأي الثاني. ويبدو أن القضاء يأخذ بهذا الرأي، فقطت محكمة النقض بأن: الأصل في القذف الذي يستوجب العقاب قانوناً هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد أن الطاعن نسب إلى المدعي بالحقوق المدنية (وهو قاضي) أنه ليس قاضياً فحسب، بل شريك في جراج السيارات، وأنه ليس قاضياً خالصاً للقضاء، بل يعمل بالتجارة وهي عبارات تنطوي على مساس بكرامة المدعي بالحق المدني وتدعو إلى احتقاره بين مخالطيه. ومن يعاشرهم في الوسط الذي يعيش فيه وتتوافر به جريمة القذف كما هي معرفة في القانون. ولم تسلم المحكمة بدفاع المتهم بأن إسناد الجمع بين الوظيفة والاشتغال بالتجارة إلى المجني عليه وهو قاضي أي موظف عام غير معاقب عليه جنائياً. وإن كان يشكل مخالفة مهنية تستوجب المؤاخذة التأديبية. وهذا يعني أن المحكمة قررت توافر جريمة القذف في هذه الحالة لأن الواقعة المسندة إلى المجني عليه تستوجب احتقاره عند أهل وطنه.
ويلاحظ أن المشرع لا يشترط أن يترتب على إسناد الواقعة في صورتها السابقة توقيع العقاب فعلاً على المجني عليه، وإنما يكفي أن يكون ذلك من شأنها. بل أن جريمة القذف يمكن أن تتوافر بمجرد إسناد فعل غير مشروع إلى المجني عليه حتى ولو تحقق لديه أحد موانع المسئولية أو مانع عقاب، أما إذا نسب شخص إلى آخر جريمة معينة توافر في شأنها أحد أسباب الإباحة، فإن جريمة القذف تكون منتفية، لأن الواقعة المسندة إلى الشخص المذكور لا تستوجب عقابه قانوناً.
وتتميز هذه الصورة للواقعة المسندة إلى المجني عليه بالوضوح، ولا تثير صعوبة، فهي تتوافر بمجرد أن ينسب الجاني إلى المجني عليه واقعة تعد جريمة، ومن التطبيقات القضائية في هذا الصدد ما قضت به محكمة النقض بأن: “الأصل في القذف الذي يستوجب العقاب قانوناً هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية.. فإذا كان الحكم قد أورد أن الطاعن نسب إلى المجني عليهم أن أحدهم وهو القاضي الذي حرر مسودة الحكم في الدعاوى أرقام.. قد تعمد التزوير في هذه المسودة وشاركه رئيس وعضو الدائرة، وهي عبارات شائنة تنطوي بذاتها على المساس بكرامة القضاة المذكورين وشرفهم واعتبارهم وتدعو إلى عقابهم قانوناً بجنايتي التزوير في الأوراق الرسمية والاشتراك فيها المعاقب عليهما بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن عملاً بالمادة 211 من قانون العقوبات.. فإن جريمة القذف تكون متوافرة كما هي معرفة في القانون”.
الواقعة التي تستوجب الاحتقار:
ويراد بها أن يكون من شأن الواقعة المسندة إلى المجني عليه الحط من مكانته الاجتماعية بين مخالطيه. أي في البيئة أو الوسط الذي يعيش فيه. مثال ذلك: القول عن المجني عليه أنه يعاشر امرأة معاشرة غير شرعية. أو أنه غير أمين في أداء أعماله أو أنه فر من مستشفى المجانين، أو يسند شخص إلى طبيب أنه يهمل في معالجة مرضاه.
والضابط في اعتبار أن من شأن إسناد واقعة معينة إلى المجني عليه المساس بمركزه والتقليل من مكانته الاجتماعية هو ضابط موضوعي قوامه الرأي السائد في الوسط أو البيئة التي يعيش فيها المجني عليه. وتقدير ذلك من شأنه قاضي الموضوع وفقاً لظروف كل دعوى. فمن حقه، كما قضت محكمة النقض، أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى، ولمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامي عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح.
فإذا لم يكن من شأن الواقعة احتقار الشخص المنسوبة إليه عند أهل وطنه، فلا تتوافر جريمة القذف، كأن يسند شخص إلى تاجر أنه خسر خسارة فادحة في المضاربات أو أنه على وشك الإفلاس، فهذه الوقائع على فرض صحتها لا تستوجب احتقار من أسندت إليه، كما أنها لا تستوجب عقابه.
ولا يتطلب المشرع لقيام جريمة القذف أن يكون من شأن الواقعة احتقار من أسندت إليه عند جميع أفراد المجتمع، وإنما يكفي أن يكون من شأنها احتقاره في نظر الأفراد الذين يخالطهم ويعاشرهم. وهذا هو المقصود بعبارة “احتقار عند أهل وطنه” المنصوص عليها في المادة 302 من قانون العقوبات.
ومن تطبيقات القضاء المصري لهذه الصورة أنه قضى بإدانة المتهم عن جريمة القذف لأنه اسند إلى المجني عليه أنه يؤجر شقة مفروشة “لمن هب ودب” وأنه يقيم بها أحياناً حفلات صاخبة ولعب ميسر يمتد إلى ما قبل الفجر. وقد جاء في هذا الحكم أن الواقعة المسندة إلى المجني عليه تنطوي بلا شك على مساس بكرامته وتدعو إلى احتقاره بين مخالطيه ومن يعاشرهم في الوسط الذي يعيش فيه، ولذا تتوافر بها جريمة القذف كما هي معروفة في القانون”. وقضى بأن إسناد المتهم للمجني عليهما أن كليهما كان يعاشر الآخر معاشرة غير مشروعة قبل الزواج. وهذه أمور لو كانت صادقة لأوجبت احتقارهما عند أهل وطنهما.
· ثالثاً: تحديد شخص المجني عليه:
تفترض جريمة القذف أيضاً أن يكون الإسناد متجهاً إلى شخص معين أو أشخاص معينين بالذات، وهو ما يتطلب تحديد شخص المجني عليه تحديداً واضحاً. وعلة ذلك أن القذف يعتبر اعتداء على شرف شخص معين واعتباره، ومن ثم يجب تعيين هذا الشخص، غير أنه لا يشترط أن يكون المجني عليه معيناً بالاسم. وإنما يكفي التعيين النسبي بحيث يمكن معرفته من مضمون عبارات القذف. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه: “يكفي لوجود جريمة القذف أن تكون عباراته موجهة على صورة يسهل معها فهم المقصود منها، معرفة الشخص الذي يعنيه القاذف، فإذا أمكن للمحكمة أن تدرك من فحوى عبارات القذف من هو المعني به استنتاجاً من غير تكلف ولا كبير عناء، وكانت الأركان الأخرى متوافرة حق العقاب على الجريمة ولو كان المقال خلوا من ذكر اسم الشخص المقصود”.
أما إذا تعذر معرفة شخص المجني عليه أو كانت العبارات الشائنة موجهة إلى فكرة أو مذهب دون المساس بشخص معين، فإن جريمة القذف لا تكون متوافرة. وتعيين شخص المجني عليه في هذه الجريمة مسألة موضوعية يفصل فيها قاضي الموضوع وفقاً لظروف وملابسات كل قضية على حدة.
ويستوي أن يكون المجني عليه في القذف كما قدمنا شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً، فللشخص المعنوي –كالشخص الطبيعي- الحق في صيانة شرفه واعتباره. وبالتالي فإن القذف الذي يرتكب في حقه يكون معاقباً عليه.
وقد أثير التساؤل عن مدى قيام جريمة القذف إذا كانت الواقعة الشائنة قد أسندت إلى شخص بعد وفاته، فهل يعاقب القانون على القذف ضد الأموات؟. لم ينص المشرع المصري على تجريم القذف الذي يرتكب في حق الموتى. والرأي المستقر عليه في الفقه المصري هو أن جريمة القذف لا تتوافر إذا كانت الواقعة الشائنة أسندت ضد ميت، لأن القانون يحمي بالعقاب على القذف حق الإنسان في شرفه واعتباره، وهذا الحق –كسائر الحقوق الشخصية- ينقضي بوفاة صاحبه، ولذا يتعين لقيام جريمة القذف أن يكون المجني عليه إنساناً حياً. أما إذا امتد القذف أيضاً إلى أحد أقارب الميت من الأحياء. كأن يقال مثلاً عن امرأة متوفاة أنها كانت تعاشر شخصاً غير زوجها وأنجبت منه ولداً غير شرعي، فهذه الواقعة تمس ابن المتوفاة، وتتوافر بها جريمة القذف في حقه. ويجب أن يلاحظ أنه لا يشترط في الواقعة الشائنة المسندة إلى المجني عليه أن تكون كاذبة. فالمشرع يعاقب على القذف سواء كانت تلك الواقعة صحيحة أم كاذبة. وبناء على ذلك لا يسمح للمتهم –كقاعدة عامة- أن يثبت صحة الواقعة التي أسندها إلى المجني عليه للإفلات من المسئولية الجنائية عن القذف. ولا يستثنى من ذلك سوى حالة الطعن في أعمال الموظف العام أو من في حكمه التي تناولها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات. وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض بأنه: “إذا كان المجني عليه في القذف غير موظف، فلا يقبل من القاذف إقامة الدليل على صحة ما قذف به”.
كذلك لا يشترط لقيام جريمة القذف أن يرتكب فعل الإسناد في حضور المجني عليه، وتطبيقاً لذلك قضى بأن: القانون لا يوجب للعقاب على القذف والسب أن يقع أيهما في حضرة المجني عليه، بل إن في اشتراط توافر العلانية بطرقها المختلفة في جريمتي السب العلني والقذف ما يدل بوضوح على أن العلة التي شرع العقاب من أجلها لم تكن مواجهة شخص المجني عليه بما يؤلمه ويتأذى به من عبارات القذف والسب، وإنما هي ما يصاب به المجني عليه من جراء سماع الكافة عنه ما يشينه في شرفه واعتباره”.
المطلب الثاني
العلانية
تعريف العلانية في القذف وغيره من جرائم النشر:
يتطلب القانون –كقاعدة عامة- لقيام جريمة القذف أن ترتكب بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة 171 من قانون العقوبات. ويراد بالعلانية كركن في هذه الجريمة وغيرها من جرائم النشر اتصال علم الجمهور بمعنى مؤذ معين تم التعبير عنه بالقول أو الفعل أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الرأي أو المعنى. والجمهور يعني عدد من الناس مكون من أفراد غير معينين لا تربطهم بالجاني أو بالمجني عليه صلات مباشرة، تفرض عليهم واجب الاحتفاظ بسرية ما يقال أو يدور بينهم. وعلى ذلك، لا تتوافر العلانية إذا صدر التعبير عن المعنى المعاقب على إذاعته إلى أشخاص معينين يربطهم بمن صدر عنه هذا التعبير صلة مباشرة، كقرابة أو صداقة توجب عليم عدم إذاعة ما يقال أو يدور بينهم، فهؤلاء لا ينطبق عليهم لفظ الجمهور.
وللعلانية في جرائم النشر بصفة عامة أهمية كبيرة: فهي ركن مميز وأساسي لقيامها. وقد استقرت أحكام محكمة النقض على وجوب بيان هذا الركن في الحكم الصادر بالإدانة، وإلا فإن الحكم يكون باطلاً. ومن ناحية أخرى، فإن العلانية تمثل أساس العقاب على هذا النوع من الجرائم. فخطورة الجريمة على المصالح الاجتماعية والفردية التي يحميها القانون لا تكمن في مجرد القول أو الفعل أو الكتابة وما في حكمها، وإنما تكمن في ارتكاب الجريمة في صور علنية.
طرق العلانية:
تناول المشرع طرق العلانية في المادة 171 من قانون العقوبات (في فقرتها الثالثة) التي نصت على أنه: “يعتبر القول أو الصياح علنياً إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو لمكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى.
ويكون الفعل أو الإيماء علنياً إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو مكان آخر مطروق أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان.
وتعتبر الكتابة والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان.
ويتضح من هذا النص، أن المشرع قد أورد طرقاً ثلاثة للعلانية هي: علانية القول والصياح، علانية الفعل والإيماء، علانية الكتابة والرسوم والصور والرموز. على أن يلاحظ، أن هذه الطرق العلانية قد وردت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر. ومن ثم قد تتوافر العلانية بغير هذه الوسائل. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن قانون العقوبات لم يبين طريق العلانية في المادة 171 بيان حصر وتحديد، فلقاضي الموضوع أن يستخلص العلانية من كل ما يشهد بها من ملابسات وظروف.
ويلاحظ، من ناحية أخرى، أن المشرع أورد في المادة 171 عقوبات ثلاث وسائل للتعبير عن المعنى أو الفكرة، وهي:
القول ويدخل في معناه الصياح.
الفعل والإيماء.
الكتابة ويحلق بها الرسوم والصور والصور الشمسية والرموز.
ويقصد بالقول: الصوت الذي يخرج من الفم في صورة كلمات أو ألفاظ للتعبير عن معنى معين، أياً كانت اللغة التي صدر بها. ويستوى أن يتخذ القول صورة جمل عديدة أو جملة واحدة أو حتى جزءاً من جملة أو كلمة أو لفظاً مادامات له دلالة معينة. كما يستوي أن يكون القول في صورة نظم أو نثر، وقد يكون صريحاً أو ضمنياً، وقد يصدر بصيغة الجزم أو التشكيك أو الاستفهام. كذلك يستوي أن يخرج القول من الفم مباشرة أو يكون قد أذاعه بعد تسجيله على أسطوانة أو شريط كاسيت. ويعتبر من قبيل القول “الصياح” فهو بدوره صوت يخرج من الفم وإن كان بصورة عنيفة، وأحياناً غر واضح، للتعبير عن معنى معين أو إحساس معين كالفرح أو الحزن أو الغضب أو الدهشة. ومثاله الصراخ.
أما الفعل فيراد به: كل حركة عضوية إرادية يأتيها الشخص للتعبير عن معنى معين. ويدخل الإيماء (ومعناه الإشارة) في مفهوم الفعل، والذي يتميز به أنه من حركات الجوارح وأعضاء الجسم، كالإشارات التي تصدر عن شخص للدلالة على الاحتقار أو الاستهزاء.
وأخيراً يقصد بالكتابة: كل ما هو مدون بلغة مفهومة أو يمكن فهمها للتعبير عن معنى معين. ويستوي في الكتابة أن تكون بخط اليد أو مطبوعة كالكتب والصحف والمجلات وغيرها. ويلحق بالكتابة الرسوم، وخاصة الرسم الكاريكاتوري. والصور، وتشمل الصور السينمائية والتليفزيونية والصور الشمسية والرموز التي تعبر عن معنى معين.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المشرع قد أورد في الفقرة الأولى من المادة 171 من قانون العقوبات عبارة “أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل”. مما يعني أن وسائل التعبير عن المعنى التي سبق ذكرها لم ترد على سبيل الحصر وإنما وردت على سبيل المثال.
ونعرض فيما يلي حالات العلانية الثلاثة التي نص عليها القانون ونخصص لكل منها فرعاً على حدة.
الفرع الأول
علانية القول أو الصياح
حالات علانية القول أو الصياح كما حددها القانون:
وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 171 من قانون العقوبات يعتبر القول أو الصياح علنياً إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق، أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى”.
وقد حدد المشرع بهذا النص حالات ثلاثة لعلانية القول أو الصياح هي:
الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق.
الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده في مكان خاص بحيث يستطيع سماعه من كان في مكان عام.
إذاعة القول أو الصياح بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى. وقبل تفصيل هذه الحالات، لعله يكمن من الملائم تحديد المقصود بالجهر بالقول أو الصياح أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية.
مفهوم الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية:
يراد بالجهر بالقول أو الصياح النطق به بصوت مرتفع بحيث يمكن أن يسمعه من كان حاضراً من الجمهور في المكان العام. ويقصد بالجمهور في هذا الصدد كما قدمنا جمع من الناس لا توجد بين أفراده صلة مباشرة كقرابة أو صداقة تقتضي منهم عدم إذاعة أو إعلان ما يقال أو يحدث بينهم، أما ترديد القول أو الصياح بإحدى الوسائل الميكانيكية فمعناه إعادة القول أو الصياح مرة أو عدة مرات بالاستعانة بوسيلة ميكانيكية. كالميكروفون أو جهاز التسجيل أو الشريط السينمائي الناطق. أو بأية وسيلة أخرى يكشف عنها العلم. وذلك في مكان عام أو بحيث كان يمكن أن يسمعه من في ذلك المكان.
ويتضح من هذا التعريف –بمفهوم المخالفة- أن العلانية لا تتوافر بالنسبة للقول أو الصياح الذي ينطق به في مكان عام بصوت منخفض لم يسمعه سوى شخص واحد أو من كانوا أطرافاً في الحديث فقط. وحتى لو سمعه غيرهم بطريق التصنت. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه: “لا يكفي لتوافر ركن العلانية أن تكون العبارات المتضمنة للإهانة أو القذف قد قيلت في محل عمومي، بل يجب أن يكون ذلك بحيث يستطيع أن يسمعها من يكون في هذا المحل، أما إذا قيلت بحيث لا يمكن أن يسمعها إلا من ألقيت إليه فلا علانية. كذلك لا تتحقق العلانية بالنسبة للعبارات التي يهمس بها المتهم في الطريق العام في أذن صديق له أو تلك التي يحدث بها نفسه.
هذا عن مدلول الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية.
ونعرض فيما يلي الحالات الثلاثة التي نص عليها المشرع لعلانية القول أو الصياح.
· أولاً: الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق:
تستمد علانية الجهر بالقول أو الصياح أو ترديدهما بإحدى الوسائل الميكانيكية في هذه الحالة من طبيعة المكان الذي حدث فيه. وتتمثل في كون المكان عاماً. وقد عبر المشرع عن عمومية المكان الذي وقع فيه الجهر بالقول أو الصياح أو ترديدها بثلاثة مصطلحات هي: المحفل العام، والطريق العام، والمكان المطروق. وهذه ليست في الواقع إلا صوراً للمكان العام. ذلك أن الطريق العام، والمكان المطروق يعتبران في الحقيقة أماكن عامة. ونبين فيما يلي المقصود بالمحفل العام، والمكان العام.
المحفل العام:
ويقصد به “الاجتماع العام” أي اجتماع عدد كبير من الناس لا توجد بينهم رابطة معينة ويجوز لكل شخص الانضمام إليه. يستوي أن يكون هذا الاجتماع في مكان عام أو في مكان خاص. فلا يشترط لكي يعتبر الاجتماع عاماً أن ينعقد في مكان عام، فقد يكون الاجتماع عاماً في مكان خاص، كالسهرات أو الحفلات التي يقيمها بعض الناس في مناسبات معينة، ويستطيع الجمهور حضورها بدون تمييز وبلا دعوات خاصة. وبناء على ذلك، يتميز الاجتماع العام عن الاجتماع الخاص في أن هذا الأخير لا يضم إلا عدداً معيناً من الأفراد، قليلاً كان أو كثيراً تربط بينهم رابطة خاصة، مثال ذلك، اجتماع أفراد الأسرة أو مجموعة من الأصدقاء للاحتفال بمناسبة معينة.
وقد وضع الفقه و القضاء عدة ضوابط لتحديد صفة الاجتماع العام الذي تتحقق به علانية القول أو الصياح أو ترديدهما، وتمييزه عن الاجتماع الخاص الذي تنتفي فيه العلانية، وتتمثل هذه الضوابط في ثلاثة.
– الأول: عدد المجتمعين أو الحاضرين: فيجب أن يكون هذا العدد ملحوظاً. غير أنه من التحكم وضع عدد محدد لكي يعتبر الاجتماع عاماً. ويترك لقاضي الموضوع تقدير ذلك في ضوء كل حالة على حدة،- كما أن عدد المشاركين في الاجتماع لا يكفي وحده لتحديد طبيعته،- فقد يكون هذا العدد كبيراً،- ومع ذلك تجمع بين أفراده رابطة خاصة،- ولذا قيل بضرورة الاستعانة بالضابط الثاني: ويتمثل في طبيعة الروابط القائمة بين المشاركين في الاجتماع،- فإذا كانت تربط بينهم رابطة أو صلة خاصة كقرابة أو صداقة أو عمل،- فإن الاجتماع يكون خاصاً حتى ولو كان عدد المشاركين فيه كبيراً،- وبالتالي فإن العلانية لا تتحقق في القول الذي يتم الجهر به في سهرة خاصة تقيمها عائلة أو مجموعة من الأصدقاء. كذلك لا تتوافر العلانية للأقوال التى يتم الجهر بها في اجتماع مجلس إدارة شركة أو مؤسسة. أو في اجتماع الطلاب في قاعة الدرس. لأن هناك صلة معينة تربط بين المشاركين في الاجتماع. ويترك لقاضي الموضوع تقدير توافر هذه الصلة أو الرابطة أو عدم توافرها.
أما الضابط الثالث فهو:
شروط قبول المشاركين في الاجتماع. ولا شك في أن طبيعة الروابط القائمة بين المجتمعين، والغرض من الاجتماع، وكيفية الدعوة اليه من الأمور التى تساهم في تحديد شروط قبول الاشتراك في الاجتماع، فكلما كانت الصلة التى تربط المشاركين في الاجتماع وثيقة والغرض منه متعلقاً بهم، تكون هناك صعوبة في إمكان الانضمام إلى هذا الاجتماع، لأنه عندئذ يكون خاصاً. وعلى العكس، يعتبر الاجتماع عاماً كلما ضعفت الروابط بين الحاضرين ، وكان من السهل لأي شخص حضوره بدون دعوة شخصية. وعلى أية حال، فلقاضي الموضوع الاستعانة بهذه الضوابط الثلاثة مجتمعة في ضوء ظروف كل دعوى.
المكان العام:
يقصد بالمكان العام:
المكان المعد لدخول أي شخص أو المفتوح للجمهور يستوي أن يكون ذلك بدون قيد ولا شرط أو بشروط معينة, ويقسم الفقه، سواء في فرنسا أو في مصر، المكان العام إلى ثلاثة أنواع هي: المكان العام بطبيعته، المكان العام بالتخصيص، المكان العام بالمصادفة ونبين فيما يلي المقصود بتلك الأنواع الثلاثة للمكان العام.
المكان العام بطبيعته:
ويقصد به كل مكان يباح لأي شخص الدخول أو المرور فيه في أي وقت. مثال ذلك الطرق العامة، والميادين العامة، والحداق العامة. وهنا تتحقق العلانية إذا حصل الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية حتى ولو لم يسمعه أحد ، لأنه كان من الممكن لأي شخص أن يسمعه.
ومن تطبيقات القضاء المصري في هذا الصدد ما قضى به بأنه:” متى كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته بياناً لواقعة الدعوى أن الطاعنة اعتدت على المجني عله بالسبب العلني أمام المارة في الطريق العام بتوجيه العبارات التى أوردها الحكم بما أن مقتضاه أن السبب وقع في الطريق العام وهو “مكان عمومي بطبيعته” مما يتوافر به ركن العلانية قانوناً فإن نعى الطاعنة على الحكم بالقصور يكون غير سديد”.
ولكن قد يغلق المكان العام بطبيعته في بعض الأحيان لظروف معينة كالطريق العام الذي يمتنع على الجمهور الدخول أو المرور فيه نظراً لإجراء أشغال معينة فيه. وفى هذه الحالة لا تتحقق علانية الجهر بالقول أو الصياح أو ترديده التى نص عليها المشرع. اللهم إلا إذا توافر معنى المكان العام بالمصادفة كما سنبينه فيما بعد.
المكان العام بالتخصيص :
وهو المكان الذي يمكن للجمهور الدخول أو المرور فيه خلال أوقات محددة ، ولا يجوز له دخوله في غير هذه الأوقات. مثال ذلك، دور العبادة كالمساجد والكنائس، ودور السينما والمسارح ومقار المرافق العامة التى تتصل بأعمال الجمهور. ويسمح لأي شخص بارتيادها خلال فترة العمل، وكذلك دور الثقافة كالمكتبات العامة، ووسائل المواصلات العامة (الأتوبيسات والقطارات). فهذه الأماكن ليست عامة بطبيعتها، ولكنها تكون كذلك بسبب الغرض الذي أعدت من أجله. ويجب لتحقق علانية الجهر بالقول أو الصياح أو ترديدهما في المكان العام بالتخصيص أن يتوافر شرطان:
الأول : أن يتم الجهر بالقول أو الصياح أو ترديدهما خلال الأوقات التى يباح فيها الدخول للجمهور. وفى هذا يختلف المكان العام بالتخصيص عن المكان العام بطبيعته، فالعلانية تتحقق في هذا الأخير إذا تم الجهر بالقول أو الصياح أو ترديدهما في أي وقت، بينما لا تتحقق في الأول خلال الأوقات التى يكون فيها مفتوحاً للجمهور.
الثاني: هو أن يكون الجهر بالقول أو الصياح قد حصل في الجزء الذي يسمح فيه بالدخول لأي شخص. وعلى ذلك إذا حدث في أجزاء المكان الذي يمتنع على الناس الدخول فيها فلا علانية.
وبتوافر هذين الشرطين تتحقق العلانية للقول أو الصياح دون اعتبار لعدد الأشخاص الذين كانوا موجودين في هذا المكان. سواء كان هذا العدد قليلاً أو كثيراً، بل حتى ولو لم يكن موجواً به أحد، لأن العلانية هنا تستمد من طبيعة المكان الذي حدث فيه القول أو الصياح. وهذا المكان قد اكتسب الصفة العامة خلال الوقت المصرح للجمهور بالدخول فيه. وتطبيقاً لذلك قضى بأن لجهر بالقول أو الصياح في قاعة الجلسة في إحدى المحاكم في الوقت المحدد لانعقاد الجلسات يوفر ركن العلانية.